الأمير تركي الفيصل في احتفال "عرب نيوز" بمرور 50 عامًا على تأسيسها: الخليج في قلب التحديات الإقليمية والدولية
ألقى صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، كلمة خلال الاحتفال الذي أقامته عرب نيوز بمناسبة مرور خمسين عامًا على تأسيسها، يوم السبت 6 ربيع الثاني 1447هـ (28 سبتمبر 2025م) في الرياض، بحضور نخبة من الشخصيات الدبلوماسية والإعلامية.
استهل الأمير تركي الفيصل كلمته بتوجيه الشكر لرئيس تحرير عرب نيوز الأستاذ فيصل عباس، ولسفير جيبوتي وعميد السلك الدبلوماسي المعتمد لدى المملكة السفير ضياء الدين بامخْرَمة على الدعوة الكريمة. كما قدّم تهانيه للعاملين في الصحيفة، مؤكدًا أنها على مدى خمسين عامًا عبّرت بالصوت المعتدل للمملكة ورسمت صورتها المشرقة أمام العالم الناطق بالإنجليزية. واستعاد الأمير بدايات التفكير في إطلاقها، مشيرًا إلى أن الفكرة برزت بعد حرب رمضان 1393هـ (1973م) وحظر النفط على الولايات المتحدة، حيث واجهت المملكة حملة إعلامية غربية. وأوضح أن المرحوم هشام حافظ وأخاه محمد حافظ عرضا الفكرة على الشيخ كمال أدهم، مستشار الملك فيصل ومدير مكتب الاتصال الخارجي، وأنه شارك مع هشام في إعداد المقترح ورفعه إلى الملك فيصل الذي أدرك أهميته ووافق عليه قبل استشهاده عام 1395هـ (1975م). وأضاف أن الصحافي المخضرم جهاد الخازن ورئيس التحرير الأول أحمد محمد محمود كان لهما دور بارز في توجيه الصحيفة الوليدة، قبل أن تشهد الساحة الإعلامية ولادة "الشرق الأوسط" عام 1398هـ (1978م).
وانتقل الأمير في كلمته إلى تناول الأوضاع الراهنة، مشيرًا إلى الهجوم الإسرائيلي الأخير على دولة قطر خلال وساطتها مع حركة حماس، والذي وصفه بالعدائي والغادر. وقال إن هذا الهجوم يشكل ناقوس خطر لجميع دول الخليج، ويضع علامات استفهام حول مصداقية التحالفات وموثوقيتها، مشددًا على ضرورة إعادة النظر في استراتيجيات الأمن المشترك وعدم ترك إسرائيل تعبث على هواها لمواجهتها. وأكد أن منطقة الخليج، بحكم موقعها الاستراتيجي وثرواتها، ظلت عرضة للتنافس الإقليمي والدولي. ورغم ذلك، تمكنت دول مجلس التعاون الخليجي من الحفاظ على أمنها واستقرارها عبر الدبلوماسية والتحالفات الدولية، متجاوزة تحديات كبرى مثل الثورة الإيرانية، الحرب العراقية الإيرانية، غزو الكويت، وغزو العراق، فضلًا عن تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي. لكنه لفت إلى أن الحروب الجارية اليوم في غزة ولبنان وسوريا واليمن والسودان، إضافة إلى ملف إيران النووي، تفرض تحديات جديدة على المنطقة.
وأكد الأمير تركي الفيصل أن دول المجلس قدّمت نموذجًا يُحتذى به في الاستقرار السياسي والتنمية، بفضل استقرار أنظمتها السياسية واعتمادها الحكمة والاعتدال في إدارة علاقاتها، مما أتاح لها توجيه الثروات لتحسين مستوى المعيشة وحماية الأمن الداخلي. واعتبر أن رؤى التنمية والإصلاحات الاقتصادية، ومنها رؤية المملكة 2030، دليل على طموحات المنطقة لمواصلة مسار الازدهار، مؤكدًا أن نجاح هذه الرؤى مرهون ببيئة إقليمية مستقرة وآمنة. وتطرق إلى التحولات العالمية الراهنة، حيث يسود الشك النظام الاقتصادي الدولي وتتعرض القوانين والأعراف الدولية لتهديدات متواصلة، مشيرًا إلى أن الحروب في أوروبا والشرق الأوسط والصراعات التجارية بين القوى الكبرى خير شاهد على ذلك. وقال إن الشرق الأوسط كان أكثر المتأثرين بهذا الوضع، محمّلًا الولايات المتحدة مسؤولية كبيرة نتيجة تحولها من وسيط نزيه بعد حرب 1973م إلى حليف قوي لإسرائيل، وتسليمها العراق لإيران والقوى الطائفية بعد غزوه. وأكد أن ازدواجية المعايير الأميركية في التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي ومجازر غزة تقوّض مصداقيتها، داعيًا واشنطن إلى تصحيح أخطائها إذا أرادت لعب دور صانع السلام.
وشدد الأمير تركي الفيصل على أن القضية الفلسطينية تظل القضية الأشد إلحاحًا، وأنها مصدر التهديد الرئيس للسلام والأمن الإقليميين. وانتقد إخفاق المجتمع الدولي ومجلس الأمن في وقف الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة الغربية، معتبرًا أن إساءة استخدام حق النقض (الفيتو) يعكس النفاق الدولي في قضايا المنطقة. وأشار إلى أن الدول العربية رحّبت بمسيرة مدريد عام 1991م، غير أن إسرائيل أفشلت جميع المبادرات، مؤكدًا أن استمرار الصراع يهدد استقرار المنطقة، وكان هجوم حماس في 22 ربيع الأول 1445هـ (7 أكتوبر 2023م) دليلًا واضحًا على إخفاق المجتمع الدولي في تسوية هذه القضية العادلة. وأوضح أن المملكة دعمت دومًا المبادرات الدولية لحل القضية، وكانت صاحبة مبادرتين محوريتين: خطة الملك فهد للسلام عام 1981م، ومبادرة الملك عبدالله العربية للسلام عام 2002م، اللتين تبنتهما الدول العربية وقدمتا للمجتمع الدولي، لكن إسرائيل تجاهلتهما. وختم بالتأكيد على أن المملكة لا تزال تؤمن بجدوى مبادرة السلام العربية كأكثر المبادرات عدلًا، وستواصل دعم أي جهد يقود إلى حل عادل يقبله الفلسطينيون، رافضًا الادعاءات الغربية بأن الاعتراف بدولة فلسطين يعد مكافأة لحماس، ومؤكدًا أن الاحتلال الإسرائيلي المتواصل هو السبب الحقيقي في ظهور المقاومة.