الأمير تركي الفيصل في باليرمو: العالم على أعتاب عصر الوحوش والحل في التعاون المتوسطي

التاريخ: الخميس، 18 سبتمبر 2025م

ألقى صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، كلمة رئيسة في مؤتمر مؤسسة ميد-أور الإيطالية الذي نظمته في مدينة باليرمو يوم 26 ربيع الأول 1447هـ، الموافق 18 سبتمبر 2025م، تحت عنوان «المتوسط في عالم متغير»، أكد فيها أن العالم يعيش مرحلة انتقالية خطيرة مع تلاشي النظام الدولي القديم وبروز ملامح نظام جديد، وسط تصاعد النزاعات وتراجع احترام القوانين والمؤسسات الدولية.

استهل سموه كلمته بتوجيه الشكر إلى السيد ماركو مينيتي ومؤسسة ميد-أور على الدعوة الكريمة، قبل أن يستعرض طبيعة المرحلة الراهنة التي وصفها بأنها "عصر الوحوش"، مستشهدًا بمقولة الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي عقب الحرب العالمية الأولى: «الآن هو زمن الوحوش».

وأشار الأمير تركي إلى أن ما يشهده العالم من "حرب إبادة على غزة، وحرب روسية غير قانونية على أوكرانيا، والحروب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان وسوريا واليمن وإيران، والاعتداء غير المبرر على قطر" يمثل علامات واضحة على انهيار النظام الدولي. وأضاف أن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبر الرسوم الجمركية وأسلوب الإدارة الأحادي، كانت دليلًا آخر على أفول النظام الليبرالي الغربي الذي ساد لثمانية عقود.

وأكد سموه أن محاولات الولايات المتحدة فرض إرادتها على الساحة الدولية، في وقت انتهى فيه العصر أحادي القطبية، تدفع قوى كبرى أخرى إلى إعادة التوازن وتعميق الاستقطاب الدولي، ما يهدد بمزيد من النزاعات والحروب. واستشهد بصورة جمعت قادة الصين وروسيا والهند في قمة منظمة شنغهاي للتعاون مؤخرًا باعتبارها رسالة واضحة على أن الأحادية لم تعد خيارًا.

ولفت سموه إلى تحذيرات أصوات أمريكية حكيمة، من بينها السفير السابق تشاس فريمان، الذي وصف المرحلة بأنها موت للعالم القديم وبداية لصراعات جديدة.

وفيما يتعلق بالمتوسط، أوضح الأمير تركي أن دوله، سواء في شماله الأوروبي أو جنوبه وشرقه العربي، استفادت إلى حد كبير من النظام الدولي السابق، آملاً ألا تكون خاسرة في النظام الجديد قيد التشكل. وشدد على أن التعاون بين دول المتوسط أصبح ضرورة قصوى لإدارة أخطار هذه المرحلة الانتقالية، ليس فقط على أساس ثنائي، بل عبر تعاون أوسع يعالج التهديدات الإقليمية والدولية المشتركة.

وأكد أن هذا التعاون يمكن أن يسهم في استقرار الشرق الأوسط وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، والحد من "الوحوش في تل أبيب وغيرها"، وأن يكون صوت الحكمة في وقت التحولات العصيبة، بما يضمن نظامًا متعدد الأقطاب يتفادى سلبيات النظام الآيل للسقوط، ويسعى إلى السلام والازدهار العالمي.

وتوقف سموه عند أوضاع شرق المتوسط الذي يعيش منذ ثمانية عقود حروبًا وكوارث متتالية وقرارات أممية لم تطبق. وقال إن "النفاق" من جانب القوى الكبرى يصبح جليًا عند التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، مبيّنًا أن العديد من الدول الأوروبية ليست بريئة من هذا الموقف.

وشدد الأمير تركي على أن القضية الفلسطينية ستبقى المصدر الرئيس لتهديد الأمن والسلام الإقليمي، محذرًا من أن غياب الحل العادل لحقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم يبقي المنطقة عرضةً لكل الاحتمالات السلبية. وأكد أن غياب العدالة وراء دوامة الحروب المتكررة، ومنها الحرب المستمرة في غزة وما خلّفته من آثار مدمرة، مشيرًا إلى عجز مجلس الأمن عن وقف المجازر نتيجة إساءة استخدام حق النقض "الفيتو" من القوى الكبرى.

كما أشار إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي قادرة اليوم على لعب دور بنّاء في قيادة المنطقة نحو السلام والأمن، بالتعاون مع دول العالم المتفقة معها في الرؤية، لتكون "صوت الحكمة" في عالم مضطرب. وحذّر من أن التحدي الإسرائيلي ما زال الخطر الأبرز على مستقبل المنطقة والمتوسط.

وأوضح أن المملكة العربية السعودية تعمل مع فرنسا لتهيئة الطريق نحو حل الدولتين من خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية كخطوة أساسية لتحقيق السلام المنشود. ودعا إيطاليا للانضمام إلى هذا المسعى النبيل، مؤكدًا أن إدانة السيدة جورجيا ميلوني للحرب الروسية على أوكرانيا يجب أن تقترن بإدانة الحرب الإسرائيلية والاحتلال الطويل لغزة والضفة الغربية.

واختتم سموه كلمته بشكر المنظمين والحضور، مجددًا التأكيد أن بناء نظام دولي عادل لا يمكن أن يتحقق دون معالجة القضايا الكبرى للسلام والازدهار في المناطق الأكثر استراتيجية في العالم.