أنشودة البحر الأحمر: مُجتمعات وشبكات المسلمين الصينيين في الحجاز


تتّسم العلاقات الصينية العربية، التي تعدّ مثار كثير من الاهتمام حالياً، بتاريخها الطويل، وتأصّل جذورها في المجتمعات الدينية الدولية. ويُعدّ عدد سكان الشتات من المسلمين الصينيين في المملكة العربية السعودية أقلّ بكثير من سكان الشتات في جنوب آسيا ووسطها أو جنوب شرقها، التي عُرِف عن صِلاتها التاريخية مع سواحل البحر الأحمر أثرها الدائم في مكة وما حولها؛ فقد شكّلت المجتمعات الصينية المسلمة أقاليم خاصة بها في الحجاز وما حولها على مدار القرن الماضي مؤسِّسةً أوطاناً دائمةً لها في أجزاء مختلفة من المملكة. وجاء الرحّالون من أجزاء شتى من الصين إلى مكة والطائف وجدة حجاجاً وطلاباً وتجاراً ومنفيين في أوقات مختلفة، فاستقرّوا بها مقيمين ومواطنين في المملكة العربية السعودية. ومثّلت المجتمعات والشبكات المنتشرة التي تمّ تشكيلها في الماضي ضرورةً مُلحّة لإعادة تعريف مفهوم الانتماء من دون أن يستند إلى القومية العرقية. وتطرح هذه المجتمعات أيضاً رؤيةً عن التبادل العربي الصيني، الذي يعدّ أكثر عمقاً، وأقلّ تنظيماً، وأكثر ديمومةً مما تُجسّده العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الصين والمملكة العربية السعودية التي دخلت حيّز التنفيذ وفقاً لمعاهدة الصداقة المُبرمة مع جمهورية الصين عام 1946م، ومعاهدة عام 1990م المُبرمة مع جمهورية الصين الشعبية. وتركّز هذه الدراسة في بعض ملامح شتات المسلمين الصينيين قبل العقد الأخير من القرن العشرين؛ فبدلاً من استخدام مخطّط واضح المعالم لتصنيف ديني أو اجتماعي أو سياسي تقدّم الدراسة موادّ وآليات تخيّلية سعى من خلالها الرحّالون والمقيمون والمواطنون بين الصين والسواحل الغربية لجزيرة العرب إلى أن يصبحوا جزءاً من أوطان متعددة ومشتّتة، مشكّلين ذلك النسيج المجتمعي الذي يحدد هويّاتهم.