كيف حققت اليابان نسبة بطالة 1%؟: تمهيد التحول من التعليم إلى العمل

ماكيو يامادا

كانت اليابان دولة تعاني من التقدم البطيء فيما يخص تنويع اقتصادها بعيداً عن قطاع الزراعة. فبالرغم من تحديث الدولة السريع بعد عام 1868م، إلا أنها بقيت تعاني من مشكلة عدم تطابق المهارات بين مناهج التعليم ومتطلبات الصناعة على مدار النصف الأول من القرن العشرين. ومع وجود نسبة متزايدة من المواطنين المتعلمين في المجتمع بدون عمل، بقيت بطالة الشباب المشكلة الاقتصادية الرئيسية. ولكن بعد عدة عقود، نجحت الدولة في تطوير القوى العاملة المنتجة من خلال الاستفادة من ديموغرافياتها التي شهدت «تضخماً في الشباب»، ومعها بُنيت الصناعات التنافسية الموجهة للتصدير. إن الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في اليابان ازداد عما يقارب عشرة أضعاف خلال 16 سنة بين 1960م و1975م حيث حققت الدولة نسبة بطالة 1% على التوالي. ستحلل هذه الورقة كيفية تمهيد اليابان لتحول مواطنيها الشباب من التعليم إلى العمل لتحقيق توزيع الموارد البشرية في الصناعات الجديدة. تركز الورقة على ثلاثة عناصر للنجاح في تمهيد التحول، والتي قد تعطي رؤى مفيدة لصناع السياسات في الاقتصادات الناشئة اليوم التي تواجه مشكلة البطالة.

أولاً، لم تتغلب  اليابان على  عدم تطابق المهارات من خلال معالجة المشكلة مباشرة، بل من خلال بناء النظام الذي حقق «تطابق التوقعات». شكلت الحكومة الحلقة المؤسسية بين المدارس والشركات الخاصة من خلال «مكاتب لاستقرار الوظيفة»، وزودت هذه الحلقة المؤسسية الباحثين عن العمل من الشباب بالمعارف حول الطلب القائم على الموارد البشرية، ولذلك ساعدتهم في تعديل توقعاتهم حول مهنتهم وفقاً لمتطلبات سوق العمل، في حين أنها مكّنت الشركات الخاصة أيضاً، ولاسيما الشركات الصغيرة والمتوسطة، من حشد القوى العاملة في كل أنحاء الدولة. 

ثانياً، زودت الشركات الخاصة موظفيها بالمعرفة والمهارات الخاصة بالعمل من خلال إعداد البرامج التدريبيةالملائمة. مع بعض الاستثناءات، لم تنجح المحاولات الأولى للحكومة اليابانية في تطوير التعليم الصناعي العام بسبب غياب الآليات التي تعكس المهارات المطلوبة في الصناعة على المناهج الدراسية. ومن جهة أخرى، فإن الدعم المالي من الحكومة للشركات الخاصة بالتدريب خفف بشكل فعال من مخاوف هذه الشركات، ولاسيما الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي كانت مترددة في الاستثمار في التدريب بسبب خوفها من عدم قدرتها على استرداد تكاليف التدريب.

ثالثاً، على الرغم من أن قطاع التعليم لم يكن قادراً بشكل كاف على تقليص مشكلة عدم تطابق المهارات، إلا أنه ساهم في «إمكانية التدريب» للمواطنين الشباب في المدارس. وخصوصاً، صب التركيز على فكرة «Kō» الكونفوشيوسية، أو مكافأة الوالدين، أخلاقيات العمل ولاسيما فضيلة الاجتهاد – الاعتقاد أن العمل الجاد جيد في حد ذاته – في التلاميذ. خلق هذا النوع من التعليم القوى العاملة الجاهزة للعمل المنتج، على الرغم من أن استغلال إمكانياتها احتاج إلى المؤسسات الاقتصادية التي زودتها بنظام الحوافز.

أخيراً، ستناقش الدراسة قابلية نقل التجربة اليابانية إلى الاقتصادات الناشئة اليوم، ولاسيما في المملكة العربية السعودية، مُؤكِّدَةً أن التجربة اليابانية تقدم رؤى مفيدة وتسهم ببناء القدرة المحلية لـ«استطلاع السياسات». ويبدو أن  بعض السياسات أسهل تطبيقاً اليوم بفضل تطور تقنية المعلومات (IT) والذكاء الاصطناعي (AI)، في حين أن السياسات الأخرى تتطلب تصميم معايير داعمة لتوطين الممارسات.