الأمير تركي الفيصل يتحدث أمام المنتدى العالمي لثقافة السلام في هولندا

التاريخ: الإثنين، 01 يوليو 2019م

يرى الأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، أن الثقافة والدين يمكن أن يكونا عنصرين رئيسين في النزاعات بين الجماعات والأعراق المختلفة، وأن يكونا أداتين لحل النزاعات، مؤكدًا على الدورَ الذي يضطلعُ به التراثُ الثقافي في الحوار بين الحضارات والثقافات والشعوب، وعلى أهمية حماية التراث الثقافي وحفظه، وأن التراثَ الثقافي يُذكِّر دائمًا بأن الحضارات الإنسانية قد سعَت على مدار آلاف السنين إلى الأشياء ذاتها: حب الفن، وتقدير الجماليْنِ الطبيعي والإنساني، والرغبة في التفكر والتدبُّر في الكون والعالم من حولنا، والرغبة في التعلم والتعليم، والرغبة في بناء آثار عظيمة، والتحلي بشهية نهمة للنمو وتوسيع الآفاق.

وجاءت كلمة الفيصل، أمام المنتدى العالمي لثقافة السلام الذي نظمته مؤسسة عبدالعزيز البابطين الثقافية مؤخرًا في «قصر السلام» بمحكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا، بحضور شخصيات سياسية وأكاديمية وثقافية من مختلف أنحاء العالم ومشاركة نخبة من ممثلي عدد من الدول، وناقش المنتدى محورين رئيسين هما: «تدريس ثقافة السلام» و«حماية التراث الثقافي العالمي».

وقال الفيصل في كلمته: «لقد شهدنا بأعيننا تدهورَ التراث الثقافي العراقي والسوري والليبي واليمني، بشقَّيْه المادي وغير المادي؛ من جرّاء القصف المدفعي، وطلقات الرصاص، والنهب، والفساد، والخداع، والسرقة. وفي ظل عدم وجود اتفاقياتٍ دولية لحماية التراث من هذه الجرائم، تتولدُ عن هذه الصراعات، بصورةٍ واضحة، انفعالاتٌ غاية في القوة تجاهَ التراث؛ مثل الجشع أو التدمير».

وحدد سموه، أربعةَ عناصر أساسية مُلزمة لجميع الدول في أثناء الصراعات المسلحة، وهي: التزام أطراف الصراع باحترام الممتلكات الثقافية، وحظر استخدام الممتلكات الثقافية ذات الأهمية الكبيرة للأغراض التي من المحتمل أن تُعَرِّضها للدمار أو التلف، وحظر أيّ استيلاءٍ أو تدمير أو إتلاف متعمد للمؤسسات المُخصَّصة للأغراض الدينية والخيرية والتعليمية والفنية والعلمية أو للآثار التاريخية والأعمال الفنية والعلمية، وكذلك حظر أيّ شكلٍ من أشكال السرقة أو النهب أو التملك غير المشروع، وحظر توجيه أيّ أعمال تخريبٍ للممتلكات ذات الأهمية للتراث الثقافي لأيّ شعبٍ من الشعوب، إضافة إلى التزام سلطة الاحتلال بمنع التصدير غير المشروع للممتلكات الثقافية من الأراضي المحتلة وإعادة الممتلكات المُصدَّرة بطرائق غير مشروعة إلى السلطات المختصة في الأراضي المحتلة.

ودعا الفيصل، المجتمعات والمؤسسات التعليمية في العالم العربي إلى أن تعملَ جاهدةً لتغرسَ في أذهان الشباب قيمةَ حماية التراث الثقافي وأهميته والمحافظة عليه، مقترحًا إدراج الاتفاقيات المتعلقة بحماية التراث في البرامج التعليمية في كل المؤسسات التعليمية، مثل اتفاقية جنيف 1949م، واتفاقية لاهاي 1954م، واتفاقية اليونسكو 1970م، واتفاقية التراث العالمي 1972م.

وأشار رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، في كلمته التي حملت عنوان: «التعليم وحماية التراث الثقافي»، إلى أن تراثنا الإسلامي يحتوي، منذ ألف وأربع مئة عام، على مبادئ حميدة للقتال، ومنها: عدم الخيانة والغدر والتمثيل بالجثث وقتل الأطفال والشيوخ والسيدات، والامتناع عن قطع الأشجار، وذبح الأغنام، وهدم دور العبادة، مبينًا أن إحلال السلام والتوافق المجتمعي والتعايش الاجتماعي والسياسي والاحترام المتبادل والتسامح أفضل ترياق للتوترات والعواطف المشحونة التي كثيرًا ما تُؤدِّي إلى الصراع المسلح والحرب الأهلية اللَّذَيْنِ يُلحقان الضررَ بالحياة البشرية والتراث الثقافي.

وأوضح سمو الأمير تركي الفيصل، أن التعامل مع حالات الطوارئ يتطلب فهمًا لدور التراث الثقافي واستخدامه في الصراع وكيفية حماية المواقع والمقتنيات والحفاظ عليها وإستراتيجيات الاتصال والخدمات اللوجستية والتخطيط، مطالبًا بإجراء المزيد من الدراسات وإنشاء مجموعاتٍ دولية تُخطِّط للسُّبُل الكفيلة بحماية التراث الثقافي والمحافظة عليه في أوقات الكوارث والصراعات، واقترح وضع إستراتيجيات تستند إلى السلام لمنع المشكلات والنزاع، والحد من أخطار الحروب مع تدريب العاملين والمختصين على حفظ التراث الثقافي في أوقات الأزمات والنزاع، ووضع خطط للطوارئ.

وأضاف: «يجب أن ينصبَّ تركيزُنا في دول مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن؛ لما فيها من أماكن تراثيةٍ يهودية ومسيحية وإسلامية، ومتاحف ومكتبات، ودور حفظ التراث، ومواقع دينية، وأماكن عبادة، ومواقع أثرية، ومعالم تاريخية. والتحدي الرئيسُ الذي يواجهنا بوصفنا دعاةً للسلام، ومُروِّجين للتراث، ومُعجَبين بالحضارات العظيمة، هو كيفية حماية التراث الثقافي والحفاظ عليه في بلداننا ومناطقنا.